أخبار مقتطفة

عبد النبي الشراط .. قصة الزواج “الأسطوري” وصحافة “سمعنا”

في تعريفات المدارس الصحفية المتعددة، فإن الصحفي (سواء بفتح الصاد أو كسرها) هو شخص ينقل الأخبار للجمهور بصدق وأمانة، ويتحرى الدقة والموضوعية في نقل الأخبار والأحداث لبقية الناس الذين لا يستطيعون الوصول لهذه الأخبار والمعلومات إلا عن طريق الصحافة.

في القضية التي نتعرض لها في هذا المقال، لم نقرأ خبرا مجردا عن الموضوع الذي أطلقت عليه المواقع الإلكترونية وقنوات اليوتيوب المتعددة (حتى لا نقول الصحافة) “الزواج الأسطوري” لنجلة رئيس مجلس المستشارين المغربي “النعم ميارة” والكاتب العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.

ولعل كل هذه الصفات والألقاب والمسميات هي من جرت على “ميارة” كل هذه الويلات التي لولاها لما التفت إليه أحد.

وبالعودة إلى “الخبر” أو صناعة الخبر فإننا لم نقرأ خبرا مهنيا بالمعنى الدقيق للخبر كما هو متعارف عليه صحافيا، بل قرأنا (التحليلات والمقالات النقدية، والتي يمكن تسميتها اتهامات أكثر منها مقالات وتحليلات).
فالخبر يجب أن يكون مجردا من الرأي والتعليق، وهو ما لم يحصل في هذه الحالة، بالتالي فالخبر يجب أن تكون له مصادر إما موثقة، أو يكون الصحفي أو المراسل عاش أطوار الخبر (اي كان حاضرا) ونقل الحدث بتجرد وأمانة.

خلال تتبعي لما نشر في ثمان مواقع إلكترونية على الأقل بالإضافة لقنوات اليوتيوب، فإن جميع من قرأت لهم لم يكن أحد منهم حاضرا، ولا اعتمد أحد منهم على مصادر من عين المكان، بل كلهم قالوا “سمعنا” وهو مصطلح جديد أدخله هؤلاء لمهنة الصحافة في عصر الأنترنت والتكنولوجيا المتطورة، والهواتف الذكية جدا.
حتى أن الذين نشروا المعلومات عبر الفيديوهات المسجلة بالصوت والصورة اعتمدوا على مقطع معزول لا يمكن الاعتماد عليه، ويسري عليه القول (فويل للمصلين).

هذا فيما يتعلق ب”الخبر” وطريقة اعتماد المصادر الأساسية ليكون الخبر صحيحا ودقيقا وموثقا.
أما خارج الصحافة، فقد اطلعت أيضا على تصريحات وبيانات لمنظمات نسائية وحقوقية، وكذلك على سؤال طرحته نائبة برلمانية على وزير العدل، وقد نحى هؤلاء منحى ما نشر في المواقع، أي أنهم/ أنهن أيضا “سمعوا / سمعن فقط… وهو ما يجعل ثقافة “سمعنا” تنتقل لعالم الحقوقيين ومؤسسة البرلمان، ولا أحد من هؤلاء كذلك حاول أن يتحرى عن الموضوع قبل اللجوء لإصدار البيانات النارية أو طرح الموضوع تحت قبة البرلمان.

بالنسبة لي شخصيا، لم أكن لأتطرق لهذا الموضوع على الإطلاق، لأن الزواج والطلاق مسألة شخصية وعائلية، ولا يجب على الصحفي أن يتابع عورات الناس، ويجب أن يترك مثل هذه الأمور ل “الشيخ والمقدم”.
لكن ما ساءني في الأمر هو أن هؤلاء أقاموا ضجة، وحاكموا شخصا بعد أن اتهموه بأبشع تهمة، وهي “أنه أعاد العمل بنظام العبيد والإماء والجواري في القرن الواحد والعشرين.”
لكن من الناحية المهنية والقانونية، الكل سقط في فخ الإشاعة.

قيل في الإشاعات المنشورة أن أحد المطربين طالب من (الخضريات) أن يقمن، وعلى الأقل إثنتان منهن رفعن أيديهن مجيبات المنادي، وقيل بعد ذلك أن السيد ميارة جلب لابنه (عبيدا)، هكذا… فالصحفيون عندنا لا يفرقون بين (العبيد) التي تطلق على الذكور وبين (الإماء) التي تطلق على الإناث، كذلك لم يتمكنوا حتى من ضبط الإسم الحقيقي لهؤلاء النسوة اللواتي رفعن أيديهن استجابة لمن نادى عليهن بصفتهن (عبيدا) فالوصف الحقيقي أو التسمية الحقيقية هي: “الخَذْريّات” (بفتح الخاء وسكون الذال المعجمة، وتشديد الياء مع فتحها وسكون التاء المبسوطة).

وقصة الخذريات هذه تتلخص في أنهن مجرد عاملات استثنائيات فقط، حيث لكل قبيلة أو منطقة عادات وتقاليد ما زال أهلها متمسكون بها إلى يوم الناس هذا، والخذريات في التراث الصحراوي المغربي تطلق بالأساس على نسوة كن “إماء” وأصبحن محررات، ومنذ عهد العبودية كانت هؤلاء يقدمن خدمات في الأعراس، إذ هن من يُعدن مبلغ المهر المقدم من العريس لعروسه أمام الحاضرين المدعويين للعرس.

وبما أن موضوع العبيد والإماء إنتهى منذ أمد طويل، فإن العائلات الصحراوية المغربية ما زالت متمسكة شكليا بهذه العادة، حيث يحضرن هؤلاء النسوة “الخذريات” تطوعا للقيام بهذه المهمة، وهو ما يشبه عندنا في المدن الداخلية “النكافة” حيث يقمن بخدمات بلا شروط، يعني لا يطلبن مقابلا محددا، ويتركن ذلك للعريس أو عائلته حيث يستفدن من هدايا فقط، قد تكون مالية وقد تكون عينية.

إلى هنا انتفت قصة العبيد والإماء وما رافقها من “شوشرة” لم تسئ للسيد ميارة باعتباره رئيس مؤسسة دستورية، بل أن هذه “الشوشرة لم تسئ للسيد ميارة باعتباره رئيس مؤسسة دستورية، بل أن هذه “الشوشرة” منحت أعداء الوطن فرصة ثمينة ليتقولوا علينا ويتهموا المملكة المغربية التي تترأس حاليا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجميع الذين شاركوا في نشر هذه الإشاعة أساؤوا لوطنهم وبلدهم ووجهوا اتهامات باطلة لأسرة صحراوية عريقة، لا ذنب لها سوى أنها أقامت حفل زفاف لابنتها بتاريخ 2024/1/12.

وبالمناسبة لا أحد من الذين قرأت لهم هذه الإشاعة لم يتأكد حتى من تاريخ الحفل، بمعنى لا أحد منهم حاول أو بذل مجهودا بسيطا كي يتأكد من صدقية الخبر أو عدمها، ولا تاريخه، وهذه الأمور تعتبر من الأبجديات البسيطة والأساسية لصياغة خبر، وهي جزء من المفاتيح الستة للخبر، إذ لا يمكن لأي شخص أن يدعي أنه صحافي دون أن يعرف هذه المفاتيح الستة للخبر، والمكان والتاريخ جزء لا يتجزأ منها.

وأنا أتساءل على مضض… لماذا هؤلاء الناس يمارسون مهنة لا يتقنون حتى أبجدياتها؟ بينما نرى هؤلاء يعملون المستحيل للحصول على بطاقة المجلس الوطني للصحافة؟ (ليس كلهم طبعا) ولا أعمم.
ختاما: الصحافة عندنا ليست بخير مع الأسف الشديد، والكثير من الصحفيين يسيئون لبلدهم مقابل ارتفاع عدد المقروئية في مواقعهم وقنواتهم على اليوتيوب.

شارك المقال شارك غرد إرسال